"الشعب يصنع ثورته" أول عرض مسرحي للإخوان بالزقازيق
|
مشهد من أحد اسكتشات المسرحية |
بقلم: مهدي محمد مهدي*- البدايات تجعلنا كمشاهدين نأمل الكثير من شباب طموح- السرعة في إنتاج العرض أفقدته حبكته وجعلته يتسم بالمباشرةسنوات طويلة قضتها جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان" المحظورة" كذبًا وظلمًا وعدوانًا.. سنوات طويلة من العمل السياسي والدعوي وقليل من الفن.. تمارسه الجماعة تحت قمع النظام السابق.. وبسبب هذا القمع لا يعلم الكثير أن لجماعة الإخوان المسلمين أنشطة فنية مختلفة، وخاصة في مجال المسرح.. حتى كانت ثورة 25 يناير.. التي كان شباب الإخوان تيارًا من تيارات الشعب المصري الكثيرة التي خرجت ثائرة تطلب الحرية.. وحصلنا عليها وسقط النظام.. وبدأت الجماعة خطواتها الأولى للتواصل مع المجتمع بشكلٍ أكثر حرية ووضوحًا.. الكشف عن الكثير من الالتباسات والمخاوف التي شاعت عن الجماعة ضمن حملة التشويه المتعمدة التي كان يقودها النظام السابق.. ومن بينها موقف الجماعة من الفن.. ومن بين هذه الخطوات إعلان الجماعة عن فرق مسرحية تقدم عروضها للجمهور المصري، وبالفعل كان أول عرض مسرحي متكامل لإحدى فرق الجماعة على مسرح قصر ثقافة الزقازيق يوم الخميس الموافق الخامس من مايو الجاري، لفرقة مسرح شباب الإخوان بالزقازيق، في أولى فعاليات التعاون بين القصر وجماعة الإخوان المسلمين ضمن حركة الجماعة للتواصل والتعاون مع كلِّ مؤسسات المجتمع، وفي الأسطر التالية سنتناول نقديًّا هذا العرض المسرحي، كمحاولة بسيطة لمشاركة هذا الفريق أولى خطواته الباحثة عن تقديم فن راقٍ يشارك في بناء المجتمع المصري.
وتحت عنوان "الشعب يصنع ثورته" كان العرض الأول للفرقة، والتجربة الأولى لمخرجه أحمد سيف، وكذلك لمجموعة الممثلين المشاركين في العرض، والعرض عبارة عن مجموعة من المشاهد أو الاسكتشات المتتالية المنفصلة دراميًّا؛ ولكن يربطها خيط المعاناة التي كان يتعرض لها المجتمع من النظام السابق في كثير من مناحي الحياة.. مشاهد تعبِّر عن معاناة المجتمع بشكلٍ عامٍ ومشاهد تعبِّر عن معاناة الإخوان بشكل خاص، ثم مشاهد تعبِّر عن أحداث الثورة، وما بعدها ورغبة الجميع في التنمية والبناء وفتح الحوار مع كلِّ التيارات.
ويضطرني العرض للحديث عن كل مشهد بشكلٍ منفصلٍ على مستوى المضمون والفكرة والتمثيل والديكور وعلاقتها الدرامية بالمشهد السابق، وذلك بحكم كونها مشاهد منفصلة، ثم سأتحدث في النهاية عن شكل العرض بالكامل وما قدمه.
يبدأ المشهد الأول داخل أحد المقاهي الشعبية، تم بناء المقهى من خشب الخوص في الخلفية وأمامها عدد من ترابيزات ومقاعد المقهى الذي يحتل جزءًا صغيرًا على يسار عمق المسرح، وتفتح الستارة على اثنين من الشباب جالسين على ترابيزات المقهى، ويشرب أحدهما الشيشة، ويقوم بخدمتهما صبي المقهى، ثم يدخل ممثل يقلد شخصية "القرموطي" الشهيرة على مستوى الشكل والحركات وطريقة النطق، ويقوم القرموطي بفتح حديث مع أحد الشباب على المقهى ويسرد له المشاكل المختلفة وأشكال المعاناة الموجودة في المجتمع المصري من مواصلات وصحة وأكل وغيرها من المشاكل، حتى يكتشف القرموطي في النهاية أن هذا الشاب مخبر للشرطة ويتم القبض عليه، وقد غلب على المشهد الطابع الكوميدي الذي قدمه القرموطي ساخرًا من كلِّ أوضاعنا، ولي تعليق هنا على استدعاء شخصية كوميدية معروفة ومستهلكة للمواطن المصري.. ولماذا لا نبحث عن شخصيات كوميدية جديدة خاصة بنا وخارجة من قلب الواقع المصري، وأعتقد أن المجتمع المصري مليء بمثل هذه الشخصيات، أما الممثلون فقد كان أداؤهم جيدًا ومناسبًا لحجم الدور، وكان بطل المشهد هو القرموطي الذي أدَّاه الممثل مؤمن جلال، وكان موفقًا في تقليد شخصية القرموطي إلى حدٍّ كبير، أما على مستوى الديكور فقد كان معبِّرًا بشدة عن جو المقهى الشعبي وموفقًا في اختيار المواد التي صنع منها المقهى بشكل غير مكلف ماديًّا، ولكن حجم المقهى كان صغيرًا داخل المسرح وترك فراغًا مسرحيًّا كبيرًا، وابتعد المقهى في عمق المسرح بعيدًا، وقد كان من الممكن وضعه في وسط الخشبة أو في المقدمة ليكون أكثر وضوحًا.
ينتقل بنا المشهد الثاني إلى مستشفى من مستشفيات مصر؛ حيث نجد في وسط عمق المسرح مكتب الاستقبال، وعلى اليمين حائط أبيض مكتوب عليه غرفة العمليات، وعلى اليسار سرير للمرضى، يدخل اثنان من المواطنين ومعهما أحد المرضى وموظف الاستقبال يتحدث في التليفون ويتعامل معهم ببرود شديد، ثم يدخل الدكتور ويأخذون المريض إلى غرفة العمليات؛ لنسمع صراخه ثم يخرج علينا طفل صغير، بعد أن سرقوا منه معظم أعضاء جسده.. وهنا يخرج الصراخ والضحك من الصالة على هذا المشهد، وقد كان الممثل الذي قام بدور موظف الاستقبال جيدًا في دوره واستخدام "خنف الصوت" في النطق مع بروده، موفقًا في تقديم دوره، وكذلك باقي الممثلين الذين حاولوا إضحاك الجمهور؛ ولكن ما زال العرض يستخدم إفيهات سابقة ومستهلكة من نوعية "أرجوك اديني الحقنة بسرعة"، وهو ما كنت أتمنى تجاوزه والابتعاد عن كوميديا السينما التجارية، واللعب على كوميديا الموقف كما في موقف دخول المريض رجلاً وخروجه طفلاً، وهو ما يؤكد امتلاك المخرج والممثلين حسًّا كوميديًّا عاليًا يمكنهم من الابتعاد عن المستهلك والمسف.
بعد هذا المشهد يدخل ممثل إلى خشبة خالية من أي ديكور أو إكسسوارات، ليعلق هذا الممثل على المشهدين السابقين ويستنكر أحوال مصر، وأعتقد أن الفن لا يحتاج إلى تعليق أو تفسير، والمباشرة أحيانًا قد تُفسد العمل، وهو مشهد لا لزوم له يتهم المشاهد بعدم فهم المشاهد السابقة.
ننتقل بعد ذلك إلى مشهد ثالث وخشبة المسرح خالية؛ إلا من يافطة في عمق المسرح مكتوب عليها "مشروع شباب الخريجين"، ويدخل شاب يقود عجلة تم تجهيزها لتعبِّر عن تلك السيارات التي يتم تسليمها في مشروع شباب الخريجين، وتتم السخرية من هذا المشروع ونتائجه وعدم الاستفادة من طاقات الشباب الحقيقية، وينتهي المشهد ليدخل نفس الممثل الذي يعلق على الأحداث، وفجأةً يخطفه أحد أفراد الأمن خارج المسرح في لمحة كوميدية لطيفة.
وداخل مكتب أحد ضباط الشرطة تقع أحداث المشهد الرابع؛ حيث يوجد مكتب في وسط عمق المسرح فقط، وباقي المسرح خالٍ، وخلف المكتب يوجد الضابط ومعه مخبر بوليس وأمامه أربعة مساجين، ثم مشهد خامس داخل مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث يوجد مكتب في وسط عمق المسرح يجلس وراءه ممثل وأمامه ثلاثة ممثلين، ويتم تقديم لأحد اجتماعات المكتب لدراسة أحوال البلد، وما يمكن تقديمه له، وفي هذا المشهد مشاكل كثيرة.. أولها: عدم تغيير الديكور عن المشهد السابق؛ ما يشعر معه الجمهور بالملل، وجود المكتب في عمق المسرح الخالي بعيدًا عن الرؤية الواضحة، خاصة أن الخشبة حجمها كبير، وطريقة جلوس الممثلين طوال المشهد ووجوههم موجه للخلف وليس الجمهور، ومع ثبات الديكور وثبات الممثلين ووجوههم غير مرئية للجمهور، مع الحوار المباشر الحماسي عن مشروعات وخطط، حوار ليس بفني بالمرة، فكل هذا كفيل بوصول الملل للجمهور.
يأتي بعد ذلك مشهد بنفس الديكور؛ ولكن داخل مكتب ضابط بجهاز أمن الدولة السابق؛ حيث يخطط ويحاول العمل للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين بناءً على تعليمات قياداته، ويكلف ضابطًا أقل منه بهذه المهمة ويكون هناك مشهد ثنائي كوميدي رائع بين هذين الضابطين، تألق فيه الممثل مؤمن جلال مرةً أخرى في دور ضابط أمن الدولة، واستطاع هذا الممثل أن يكسر حالة الملل التي بدأت تتسرب إلى الصالة، ومؤمن جلال يملك إمكانيات كبيرة كممثل له مستقبل على المسرح.
ونتيجة لما فعله ضباط أمن الدولة يذهب بنا العرض للنتيجة مباشرةً بمشهد توجد فيه ثلاث بنات صغيرات في وسط خشبة المسرح؛ لتؤدي إحداهن مونولجًا منفردًا تنادي فيه أباها المسجون، وكان مشهدًا من أجمل مشاهد العرض وأكثرها تأثيرًا؛ بسبب الإحساس العالي من الممثلة (سندس) وصوتها الرائع المعبِّر مع الخلفية الموسيقية الحزينة أثناء كلامها؛ ولكن كانت طوال المونولج عيناها مغمضتان ولا أعرف لماذا؟ وكان معها في المشهد كل من (آية) و(آلاء).
وبعد هذا المشهد الحزين نذهب إلى مشهد كوميدي لأحد مؤتمرات الحزب الوطني المنحل؛ حيث نجد منصة في مقدمة يمين المسرح، وفي الخلف يجلس أعضاء الحزب المنحل، ويقوم أحد الممثلين بتقليد أحمد عز أمين التنظيم السابق، بشكل جيد انتزع الضحكات من الصالة.. وسبحان الله مغير الأحوال.. والحمد لله.. جاء اليوم الذي يقدم فيه شباب "المحظورة" سابقًا عرضًا ساخرًا عن قيادات "المُنحل" حاليًّا.
يلي ذلك مشهد لثلاثة شباب مصريين ليسوا من جماعة الإخوان المسلمين يجلسون وسط المسرح في شكل دائري، وكل واحد منهم يمسك بكمبيوتر ويتحدثون عبر (الفيس بوك) عن الخروج يوم 25 يناير أو عدم المشاركة، وقد كانت لفتة نبيلة من العرض للتأكيد أن ثورة 25 يناير من صنع الشعب كله وليست صناعة فصيل أو تيار واحد، وقد عاب المشهد ذلك الثبات الذي استخدمه المخرج في عددٍ من المشاهد.
ثم كان مشهد المظاهرات والمواجهات بين الثوار والشرطة، ثم استشهاد عدد من الثوار، حتى نجاح الثورة؛ لينتهي العرض بأحد الممثلين وحيدًا على الخشبة يعلق على ما بعد الثورة والرغبة في البناء وتصحيح الأوضاع، ثم يطلب من الجمهور المشاركة ليعبِّروا عن أمنياتهم في المرحلة القادمة.
هكذا كانت مشاهد العرض المنفصلة، وبشكل عام هناك عدد من التعليقات والملحوظات الفنية على العرض التي أقدمها لشباب الفرقة من "مُحب" يتمنَّى لهم التوفيق والتطور؛ لأنهم مجموعة من الشباب يمتلكون إمكانيات إبداعية وتمثيلية كبيرة وطاقات فنية واعدة تحتاج إلى مزيدٍ من الصقل والتدريب والتعلم لتطوير أدواتهم ومواهبهم، وأريد أن أؤكد لجميع عناصر الفريق بأن يفرحوا بعرضهم الأول وبما حققوه؛ ولكن أمامهم طريق طويل والاستقبال الحار الذي وجدوه في الصالة ليس حكمُا نهائيًّا أو موضوعيًّا؛ لأنه جاء من الأهل والأصدقاء والزملاء، وهم يرونكم لأول مرة على خشبة مسرح.
أول هذه الملحوظات أن العرض انفعالي وحماسي بعد أحداث الثورة، ويريد التوثيق والتسجيل لكلِّ شيء قبل وأثناء الثورة، وتم بسرعة وغلبت عليه في بعض المشاهد الخطابة والمباشرة والتوجيه، وهذا ليس مكانه الفن، فالمسرح نشاط جماعي تكاملي يتحقق من خلال اتحاد وتناغم وتكامل مجموعة من العناصر المتنوعة، مثل النص الحواري المنطوق والممثل والديكور والملابس والموسيقى، وتتضافر جميع هذه العناصر داخل إيقاع عام ومنضبط لإنتاج التجربة المسرحية، وكنَّا نتمنى اهتمامًا أكبر بباقي العناصر، وهو ما يملكه المخرج على مستوى الإبداع وأكده بطريقة تعامله وتوظيفه للديكور في المشاهد الأولى من العرض، وكان الديكور جزءًا مهمًّا ومعبِّرًا ثم تجاهله المخرج في المشاهد التالية.
ويأتي ثانيًا أن المباشرة تفترض السذاجة وعدم الوعي لدى الجمهور، رغم أن هذا الشعب من أكثر الشعوب وعيًا وفهمًا وحبًّا للفن ولفك الرموز والشفرات، ويملك قدرةً لربط الأحداث بعضها ببعض، والخطب مكانها المساجد والمؤتمرات السياسية، وروعة الفن أن تذهب رسالتك إلى الجمهور دون أن تقول لهم "افعل" و"لا تفعل".
المشاهد كانت كثيرة ومتتالية وهناك فواصل كبيرة زمنيًّا في تغيير الديكور والملابس، ما يضرُّ بالإيقاع العام للعرض ويجعل الجمهور يخرج من حالة العرض التي دخلها، وقد كان من الممكن أن يجد المخرج حلولاً فنيةً بديلةً، وليس من حقي كناقد أن أحدد هذه الحلول؛ ولكننا نريد خيالاً وإبداعًا بحجم الخيال والإبداع الذي شاهدناه في ميدان التحرير على كلِّ المستويات، وقد تجد أشكالاً مختلفة من الميدان أو من خارجه، ونريد آليات وأساليب جديدة ومتنوعة ومتقدمة، تستطيع أن تنافس الميديا الحديثة وتكون أكثر جذبًا للناس.
أما عن الأداء التمثيلي الذي كان يحتاج فقط إلى التخلي عن الرغبة في محاولة إضحاك الجمهور لمجرد الإضحاك بلا هدف، أو السخرية من أجل السخرية، ومجموعة الممثلين يمتلكون مواهب واضحة وقوية تحتاج إلى مزيد من التدريب على طريقة النطق التي كانت أحيانًا سريعة وغير واضحة والتدريب على التحكم في الجسد وحركات الأيدي والتعبير بالوجه، وعلى كثيرٍ من المشاعر والأحاسيس، ويحسب للمخرج المجهود الواضح الذي بذله في تحريك الممثلين على الخشبة في أولى عروضه الإخراجية وحالة الانسجام والتفاهم التي كانت موجودة بين الممثلين، وقد حمل المخرج عبئًا ثقيلاً بقيامه بتنفيذ ديكورات وموسيقى العرض، فشكرًا له على هذا المجهود الذي ينبئ بمخرج واعد سيتطور بمستواه لتقديم عروض أفضل وأكثر عمقًا، عروض تترك الاحتفال بالثورة وتترك الماضي وتنسى المفسدين والسخرية منهم، وتنظر للإنسان المصري البسيط، الذي يحتاج إلى إعادة بناء وعيه وضميره وذوقه وجمالياته.
وهناك عروض تقدم أشكالاً مسرحية غير معتادة وتناسب هذا العصر وجمهوره، وربما نحصل على هذه الطرق من إعادة قراءة مرة أخرى لكل الأحداث الدرامية والمشاهد التي شهدتها أيام الثورة داخل الميدان وخارجه، ولتبحثوا أيضًا عن مضامين جديدة وعلاقات جديدة تعيد بناء علاقة البشر ببعضهم البعض على أسس سليمة وصحيحة، ولتبحثوا عن أفكار فنية جديدة تعيد بناء مجتمعنا بالشكل الذي نريده، أفكار ورؤى وأساليب فنية ترفع من ذوق الجمهور، وترفض كل ما يصدره لنا نجوم السينما الكوميدية الرخيصة وإفيهاتهم التي عفى عليها الزمن، ولنتعلم السخرية الحقيقية من ميدان التحرير، ولنتعلم الفن والخيال والإبداع الخلاق والمختلف؛ من خلال إعادة قراءة متفحصة وعميقة وفنية لأحداث هذه الثورة المجيدة
واعذروني أيها الشباب فقد أكون أثقلت عليكم وحملتكم بالكثير من الأمنيات والأحلام والأهداف؛ ولكن بقدر ما رأيته منكم من إخلاص وموهبة.. بقدر ما أحلم بما تكونون عليه في المستقبل، فشكرا لكم، بداية من أحمد سيف مخرج العرض،,والممثلين مؤمن جلال، محمد الدرديري، وأحمد صبحي،و عبد الرحمن حسام، وهشام محمود،, الأمير،ومحمد نبيل، وأبو بكر الرفد، ومحمد رجب، وأيمن سيف، والأطفال سعد نبيل ومحمود عبد الرحمن.
---------------
* ناقد مسرحي